الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: صبح الأعشى في كتابة الإنشا (نسخة منقحة)
.المهيع الثاني في الأجوبة على هذا المصطلح: الضرب الأول: أن تفتتح الجواب بما يفتتح به الابتداء ثم يقع التعرض بعد ذلك لوصول الكتاب والجواب عنه إما متلاصقاً لأول الابتداء، وإما بعد كلام طويل فأما ما هو متصل بأول الابتداء فكما كتب الصابي كتابي، ووصل كتاب مولاي وفهمته، وجل عندي قدره وموقعه، وسكنت إلى ما دل عليه من سلامته، وسألت الله أن يسبغ عليه ظلها، ويمليه نعمه كلها، فأما ما ذكره من كذا وكذا، إلى آخر الكتاب. وأما ما هو بعد كلام طويل، فكما كتب الصابي أيضاً عن نفسه إلى الصاحب ابن العباد: كتابي، أطال الله بقاء مولانا الصاحب الجليل كافي الكفاة وليس من جارحة إلا ناطقة بشكره وحمده، ولا في الدهر جارحة إلا عافية بفضله ورفده، وأنا مستمر له على دعاء، إن خلوت من أن يكون عائداً لصلاحي، ورائشاً لجناحي، لألتزمنه عن الأحرار العائشين في نداه، المستظلين بذراه، فكيف وأنا أول ساهر في مرابعه، ووارد لشرائعه، وأحوالي جارية على استقامة أقوى أسبابها تصرف الأيام على آرائه، واتباعها إيثاره في أوليائه وأعدائه، والحمد لله رب العالمين، قضاء لحقه واقتضاء لمزيده، واستدامة للنعمة عنده، التي استحصفت في أيدينا سعتها، وسالت علينا شعابها، وغمرتنا سجالها، وتفيأت لنا ظلالها، وما يزال بين رغبة مولانا الصاحب الجليل كافي الكفاة أدام الله علوه، وكبت عدوه، في عبده ورغبة عبده إليه سر مكنون في الصدور، ومستور تحت الضلوع، فهما يتناجيان به على بعد الدار، ويلتقيان عليه بالأفكار، فإن تطلع من حجاب القلوب، وشذ من ظهور الغيوب، فإن ظهوره يكون من جهته في نفحات الإنعام، ومن جهتي في ثمرات الكلام. وقد وصل كتابه المخطوط بكرمه لا بقلمه، إلى صنيعته الماثل بين يديه بهممه لا بقدمه، فلم يستطع إلا أن ينهض من الفكر، إلا بقدر ما يبرأ ساحته من الكفر، ويبلغه إلى آخر الاجتهاد والعذر، وأسأل الله أن يطيل بقاءه للإفضال المأخوذ منه، والفضل المأخوذ عنه، والعلم الذي يزخربه بحره، والفخر الذي يسحب له ذيله، والعز الذي ضرب عليه رواقه، والسلطان الذي ألقي إليه استحقاقه، والأمر والنهي اللذين يحويهما تراثاً واكتساباً، إذا حواهما غيره غلولاً واغتصاباً، بمنه وطوله، وقد كان كذا وكذا. الضرب الثاني: أن يفتتح الجواب بلفظ ورد أو وصل ونحوهما: كما كتب الصابي عن الوزير أبي عبد الله بن سعدان في جواب كتاب ورد عليه: وصل كتابك، أطال الله بقاءك وفهمته، وأدى فلان ما تحمله عنك ووعيته وازدادت به بصيرة في سدادك ومعرفتك، وفضلك وحصافتك، واجتماع الأدوات الجميلة فيك، الداعية إلى إعلاء محلك، وحميد حالك، والثقة بك، والاستنامة إليك، وأنهيت ذلك إلى الملك فلان، فأصغى إليه مستمعاً، وأوجب لك به حقاً متضاعفاً، وأمرني كذا وكذا، إلى آخر مراده. وكما كتب أبو الفرج الببغاء في جواب كتاب: ورد كتابك مشافهاً من البر ومؤدياً من الفضل ومتحملاً من المن، ما تجاوز الإنصاف إلى الإسراف، وقرن الإكرام بالإنعام، ولم أدر أي المنح به أشكر، ولا بأي العوارف له أعترف، أبما تحمله من جميل نيته، أم ما أدى من جليل مخاطبته، أم ما ناجتني به فوائد ملاطفته، أم ما اعتمدني من حلاوة مفاوضته، إلى غير ذلك من الوصول إلى النعمة التي لا أطأولها بشكر، ولا أقاومها بمنة اعتداد، وهو ابتداؤه إياي من المكاتبة بما أحرز به على عادته قصب السبق، وزاد على الرغبة مبرهناً وبصادق الود مخبراً، وإلى البسط دليلاً، وعلى مستأنف الخدمة بالمواصلة باعثاً، ووجدته أيده الله قد فعل كذا وكذا. .المهيع الثالث: في خواتم الإخوانيات على هذا المصطلح: ثم الاختتامات عندهم على أنواع شتى: منها: الاختتام باستماحة الرأي، وهو على مراتب: أعلاها ولمولانا علو الرأي في ذلك، كما كتب الصابي في خاتمة كتاب: ولمولانا علو الرأي في تشريف خادمه بالقبول، والتقدم بإعلامه بالوصول، واستخدمه بما يتعلق بآرابه وأوطاره ومن نظائر ذلك وأشكاله، إن شاء الله. ودون ذلك: الاختتام بلفظ فإن رأي كذا وكذا فعلكما كتب الصابي في خاتمة كتاب بشارة بفتح: فإن رأى سيدي أن يعرفني موقع هذه البشرى منه، ومقابلتها بالشكر الواجب عليها، ويتقدم بإشاعتها في نواحيه وأعماله، ليبكت الله به عدوه وعدونا، ويكاتبني بما أتطلعه من أحواله وأخباره، وأتعمد إسعافه بع من مآربه وأوطاره، فإني أعتده شريكاً لنا مساهماً، وخليطاً مفاوضاً، فعل إن شاء الله تعالى. ودونه: فرأيك في كذا وكذا كما كتب أبو الفرج الببغاء في خاتمة كتاب في الحث على مواصلة الكتب، فرأيك في إيناسنا بكتبك متضمنة ما نؤثره من انبساطك، ونعلمه من أخبارك، موفقاً إن شاء الله تعالى. وقد تقدم في الكلام على أصول المكاتبات لأي معنى كان فرأيك دون فإن رأيت. وذكر ابن حاجب النعمان أن أعلى المراتب وللآراء العالية فضل السمو ومزيد القدرة. ودونه: ولرأي المجلس الفلاني فضله وسموه. ودونه: ولرأي الحضرة الفلانية فضله. ودونه: ورأي حضرة مولانا أسمى. ودونه: ورأي حضرة مولاي العالي. ودونه: ورأيه موفقاً. ودونه: ورأيه السديد. ودونه: ورأيه الأرشد. ودونه: المؤثر كذا. ودونه: فأحب أن يفعل كذا. ودونه: ويجب أن يفعل كذا. ودونه: فافعل كذا من غير مخالفة. ودونه: وأحذر المخالفة. ومنها الاختتام بالدعاء، كما كتب الصابي كتاب وأسأل الله أن يطيل بقاءه، ويصل إخاءه، ويحفظه بعيداً وقريباً، ويرعاه غائباً وحاضراً. ومنها: الاختتام بطلب مواصلة الكتب، كما كتبا لصابي في خاتمة كتاب: وأنا أسأله أن يواصلني بكتبه، مضمنة أخباره الطيبة، وأمره الممتثل، وأوطاره ومهماته، معتمداً بذلك، إن شاء الله تعالى. ومنها: الاختتام بترك التكليف بالمكاتبة من غير الضروري كما كتب الصابي في آخر مكاتبة: وما أطالب سيدي بالمكاتبة إلا عند الحاجة العارضة، فإنه يفيدني بها جميلاً اشكره، ويستفيد مني سعياً يحمده، فأما ما عدا ذلك مما يشغل أوقات راحته، ويسد فرج خلوته، فإنني أستعفي منها استعفاء المتقرب إليه، المؤثر لما خف عليه، وله فيما سألت فضل النظر فيه، والإسعاف به، إن شاء الله تعالى. ومنها: الاختتام بالتحذير من المخالفة، كما كتب الصابي في خاتمة الكتاب إلى جماعة بتحصيل قوم: وليكتب كل واحد منهم بخبر من عسى أن يظفر به من هؤلاء، أو يقف على موضعه، أو ينتهي إليه من خبره، وليحذر من التقصير في ذلك. إلى غير ذلك من الاختتامات التي لا تحصى كثرة. وقد ذهب كثير من الكتاب إلى عدم تفصيل بعض الاختتامات على بعض على أن ابن الحاجب النعمان قد قال في ذخيرة الكتاب: إن أعلى ذلك بالنسبة إلى المكتوب إليه، وللآراء الفلانية فضل السمو ومزيد القدرة. ودونه: ولرأي المجلس الفلاني فضله وسموه. ودونه: ولرأي الحضرة الفلانية فضله. ودونه: ورأي حضرة سيدنا أسمى. ودونه: ورأي حضرة مولاي العالي. ودونه: ورأيه موفقاً. ودونه: ورأيه السديد. ودونه: ورأيه الأرشد. ودونه: المؤثر كذا. ودونه: فأحب كذا. ودونه: ويجب أن تفعل كذا. ودونه: وسبيله أن يعتمد كذا. ودونه: فافعل كذا. ودونه: فافعل كذا من غير مخالفة. ودونه: وأحذر المخالفة. .المهيع الرابع: في عنوانات الكتب على هذا المصطلح: الحالة الأولى: أن يكون العنوان من الرئيس إلى المرؤوس. قد ذكر في صناعة الكتب أن العنوانات من الوزير والقاضي وغيرهما من الرؤساء على تسع مراتب: الأولى: أن يكتب في الجانب الأيمن لأبي فلان أطال الله بقاءه وأعزه، وفي الجانب الأيسر من فلان بن فلان، باسم الوزير واسم أبيه إن لم يكنه الإمام، فإن كناه، كتب من أبي فلان، والقاضي في معنى ذلك. الثانية: أن يكتب في الجانب الأيمن لأبي فلان أطال الله بقاءه فقط، ويكتب السم ولا يكتب: وأعزه. الثالثة: أن يكتب في الدعاء للمكتوب إليه: أدام الله عزه. الرابعة: أن يكتب: أعزه الله. الخامسة: أن يكتب: أكرمه الله وأدام كرامته. السادسة: أن يكتب: أكرمه الله، وفي ذلك يكتب اسم الوزير في الجانب الأيسر. السابعة: أن يكتب: أبقاه الله، ولا يذكر اسم الوزير في هذه المرتبة وما بعدها. الثامنة: أن يكتب: حفظه الله، ولا يكتب اسم الوزير. التاسعة: أن يكتب: عافاه الله. وعلى نحو ذلك جرى ابن حاجب النعمان في ذخيرة الكتاب، فقال: إنه يبدأ في الجانب الأيمن بذكر المكتوب إليه ونعوته وكنيته واسمه واسم أبيه ونسبه المشهور من ناحيه أو قبيلته أو بلده، ثم يذكر المكتوب عنه في الجانب الأيسر باسمه واسم أبيه، فإن كان الكتاب عن الوزير، ذكر كنيته في الجانب الأيسر، وإن كان الإمام أمره أن يكاتب متكنياً أو ملقباً. وقد سبق الكلام على أصول المكاتبات في أول الباب الثاني من هذه المقالة أن من السلف من كره لأبي فلان، وقال: الصواب أن يكتب إلى أبي فلان. قال في صناعة الكتاب ويكتب: لأبي الحسن، فإن أعدت الكنية في الناحية الأخرى رفعت فقلت: أبو الحسن علي بن فلان على المبتدأ والخبر أو على إضمار مبتدأ، وإن شئت خفضت على البدل، فإن لم تعد الكنية كان الخفض أحسن، فقلت لأبي الحسن. ثم قال: وإن كتبت إلى رجلين كنية كل منهما أبو الحسن، كتبت لأبوي الحسن، إذا لم يكن لهما ولد يقال له الحسن، فإن كان لكل منهما ولد يقال له الحسن، جاز أن يكتب لأبوي الحسنين. قال: والاختيار أن يكتب لأبوي الحسن أيضاً، لأن المعنى للذين يقال لكل منها أبو الحسن. ويجوز أن يكتب إلى الرجلين اللذين يكنيان بأبي الحسن: لأبي الحسن بفتح الباء وكسر الياء على لغة من قال جاءني أبك، والأصل فيه لأبين الحسن سقطت النون للإضافة، ويكتب في الجميع لأبي الحسن بكسر الباء، الأصل لأبين بكسرها أيضاً، سقطت النون للإضافة على لغة من قال: جاءني أبوك يعني بضم الواو، ويجوز أن يكتب لرجل كنيته أبو الحسن لأبا الحسن على لغة القصر، كما يقال لفتى الحسن. قال في ذخيرة الكتاب وإن كان الكتاب إلى اثنين وكنايتهما مختلفة، كأبي جعفر وأبي منصور، وأبي بكر، كتبت آباء جعفر ومنصور وبكر. وإن كانت كنايتهم متفقة مثل أن تكون كنية كل منهم أبو جعفر كتبت آباء جعفر. الحالة الثانية: أن يكون العنوان من المرؤوس إلى الرئيس. قد ذكر النحاس عن الفضل بن سهل أنه خوطب الكفء بجعلني الله فداك، بالصدر الكامل، فأحسن دعائه للعنوان، أعزه الله وأطال بقاءه، وذكر أنه إذا كوتب بأعزه الله فأجمل العنوان مد الله في عمره. قال في صناعة الكتاب: ولا يتكنى الرجل في كتبه، إلا أن تكون أشهر من اسمه فيتكنى على نظيره، ويتسمى لمن فوقه، ثم يلحق المعروف أبا فلان، أو المعروف بأبي فلان. قال: ويكتب: من أخيه، إن كانت الحال بينهما توجب ذلك. الحالة الثالثة: أن يكون العنوان من الرجل إلى ابنه ومن في معناه، قد ذكر النحاس أنه يعنون إليه من فلان بن فلان إلى فلان بن فلان، ثم قال: وكذا كبير الإخوة والرجل إلى أهل بيته. الحالة الرابعة: أن يكون المكتوب إلى امرأة. قال في صناعة الكتاب: إن كان المكتوب إليه أم الخليفة، كتب: للسيدة أم فلان أمير المؤمنين، وإن كانت امرأة الخليفة وكان ابنها معهوداً إليه بالخلافة، كتب للسيدة أم فلان ولي عهد المسلمين، وإن كانت امرأة رجل جليل، كتب للحرة أم فلان، ولا يكتب اسمها، ويدعو بالدعاء الذي يكون خطابها به. هذا ما كان الحال عليه في زمن النحاس في خلافة الراضي وما حولها. وقد ذكر ابن حاجب النعمان في ذخيرة الكتاب أن الحال تغير عن ذلك عند تغير المكاتبات إلى المجلس العالي، والحضرة السامية، وما يجري مجرى ذلك، ثم قال: فعلى هذا إذا كتب إلى المكتوب إليه بالمجلس العالي السامي ونعوته، فيجب أن يكني عن نفسه بالمملوك أو مملوكه أو العبد أو الخادم. وإذا كتب: الحضرة السامية أو العالية ونوتها، فيجب أن يكني عن نفسه خادمها أو خادمه وعبدها أو عبده. قال: وفي الكتابة إلى النظير لا ضابط لعنوانه كما لا ضابط لمكاتبته، بل له أن يكني عن نفسه بما شاء مما تقدم ذكره. ثم قال: وإن كانت المكاتبة من الرئيس إلى المرؤوس، فيجب أن يكني: حضرة الفلاني بغير مولاي، ودونه: الفلاني بغير حضرة، وكنيته ونعوته واسمه واسم أبيه، ويكني عن نفسه ما يختار أن يكتبه الرئيس إلى المرؤوس مما هو معروف مشهور، ويزيد في اسمه واسم أبيه ألفاً ولاماً، إن كانا مما يجوز أن يزاد فيهما، ويحذف من اسمه واسم أبيه الألف واللام. قال: وللرئيس أن يكتب عن نفسه بما شاء من الكنايات التي تليق بمنصبه واسمه واسم أبيه ونعته المقترن بأمير المؤمنين، مثل ناصر أمير المؤمنين، وحسام أمير المؤمنين، وما أشبه ذلك. .المقصد الثاني في رسوم إخوانيات أهل المغرب: .الجملة الأولى في مفتتحات المكاتبات على اصطلاحهم: المهيع الأول في ابتداء المكاتبات: وهي على طرق منها: أن تفتتح المكاتبات بالدعاء، إما بطول البقاء كما كتب عبد الله بن طاهر: أطال الله بقاء سيدي الأعلى، ومفزعي في الجلى، متممة عليه النعم، ميسرة لديه الهمم، أقول بدءاً أيدك الله: لقد أعشى الناظرين سناك، كما أعيا الطالبين مسعاك، ولئن فت الجميع، لقد أبدعت الصنيع، فلا غاية لمجد إلا أنت آتيها، ولا ذروة لعز إلا ومن ظباك بانيها، لك الهدى والناس ضلال، وفي يديك الضوء والكل أغفال، وإن الأمر كذا وكذا. وكما كتب ابن المطرف بن عميرة: أطال الله بقاء الأخ السري الكريم، الحري بالتقديم والتعظيم، أوحد فرسان الإحسان، وواحد عقبان البيان، ولا زال قلمه جالي بدائع السحر، جالب بضائع الشحر مغبوط السبق، عند كلال جياد الكلام، مبسوط الرزق، في حال إملاق الأقلام، إن ذكرت أبقاك الله البلاغة فمن على موردها يساجلك، أو قيل في شريعتها بنيت على خمس فإنما هي أناملك، صفوها متفجر من معينك، وشاؤها لا مطمع فيه لغير يمينك، وشأوها تستوفيه في هيئة متمهل، وجناها ترعاه بعزة أخي مهلهل، فقد صرت أمام أمتها، لا بل إمام أئمتها، والراضع لرسلها، بل الواضع لأصلها. فهنيئاً لها أن كنت سابق غايتها، وسائق رايتها، وبشرى لمهرق وشته يراعتك، ومشته براعتك، لقد أوتي من الحسن ما تشتريه القلوب بحبالها وتشتهيه النفوس أكثر من حياتها، وإن الأمر كذا وكذا. وإما بالبقاء المجرد. كما كتب أبو محمد بن عبد البر إلى بعض أرباب الأقلام، أبقى الله الشيخ في عزة تالدة طارقة، وسعادة لا تزال طارقة بكل عارفة، ولا زال قاصده مخيماً من رفده بروض ناضر، ومحوماً من مجده على مسرة سمع وقر ناظر، والأمر كذا وكذا. وإما بالدعاء للحضرة. كما كتب أبو زيد الفازازي: أبقى الله حضرة السيد ناضرة أدواح السعد، عاطرة أفواح المجد، ساكبة أنواع الجد، صائبة سهام الجد، ولا وزالت مغشية الجانب، بوفد الحمد، موشية الإهاب، بسودد الحفد. الظل إذا رحب، ازدحم عليه الضاحون، والورد إذا عذب، ازدلفت إليه الممتاحون، وظل الحضرة الكريمة كثيف الأفياء، ووردها مغن عن وسائط الأرشية والدلاء، فلا غرو أن تضرب إليها أكباد الإبل، وتغص بالوفود عليها أفواه السبل، والله تعالى يعين الحضرة المكرمة على الأيادي تسوغها، والآمال تبلغها، بمنه. وإن الأمر كذا وكذا. وإما بالدعاء للمحل. كما كتب أبو المطرف بن عميرة في صدر شفاعة: أبقى الله المحل الأعلى حرماً يتحاماه الأنام، وعلماً تتضاءل له الأعلام، ولا زالت آراؤه الناجحة، تستمدها العقول والأفهام، ومساعيه الصالحة، يشكرها الله والإسلام، إن مجداً سامى الكواكب بمثواه، وسارى الغر الساكب في جدواه، لداع إلى استلام كفه العلية، والاستهام على وصفه الذي له حقيقة الأولية، وكيف لا وقد أجار من الدهر المخيف، وصار قبلة كل داخل تحت التكليف، يعيد متى أخطأها صلاة الأمل، ويرى الاجتهاد في طلبها من راحة العمل، وإن الأمر كذا وكذا إلى غير ذلك من أنواع الدعاء. ومنها أن تفتتح المكاتبة بلفظ كتابي كما كتب أبو المطرف بن عميرة إلى بعض العلماء: كتابي إلى سيدي حفظه الله مقيماً وسائراً، وأبقاه لغرر البيان ساحراً، وعن وجه الإحسان سافراً، ولا زالت آدابه تشرق وتروق ساهراً، ومحاسنه كالشمس إذا لم يلق نورها ساتراً، من فلانة والود روضة مطلوبة، ورحم موصولة، خلص من القلب إلى حبته، واختص منه بما ليس لأحد من أحبته، وأثار شوقاً على قدره، وهوى ثوى في صدره، وأسفاً على عهد أصبو إلى ذكره، فات، ورد الفائت يعسر، وقصر، وأيام السرور تقصر، كأنما كان قراءة سطر، أو إغفاءة فجر، أو زيارة مجتاز، أو عبارة ذي إيجاز. فمن لنا بذلك الأرج الذكي، والأريحي يرتاح لما يخترع أو يحكي، ومتى نفوز بمن ينحت من صخر، ويزري بأبي صخر، ويغرف من بحر، ويجري مع أبي بحر، ويجمع إسناده بين الجامع والمسند، وينشد من بدائع حفظه ما يؤثر يد المسند، شجرة علم تؤتى كل حين أكلها، ومزنة فضل تجود ما نخشى بخلها، وضالة أدب يقل لها أن نحن لسعنا، أو سبيل إلى ما يفيدنا من الكلام فنحن في حروف تجيء بغير معنى، وإن الأمر كذا وكذا. ومنها: أن تفتتح المكاتبة بلفظ: كتبت. كما كتب أبو زيد الفازازي: كتبت كتب الله للأخ الأبر الأوفى، والفاضل الذي آثار مآثره لا تخفى، مجداً هامي الربابة، سامي الرابة، وذاكراً منتحلاً بالإطالة والإطابة، وقرن أعماله بالقبول ودعواته بالاستجابة، من كان كذا، ولا جديد بيمن الله تعالى إلا صنعه الجميل، ولطفه العريض الطويل، والحمد لله رب العالمين، حمداً يؤمن آلاءه من التغيير والتبديل، والأمر كذا وكذا. ومنها: أن تفتتح المكاتبة بكناية عن المكتوب إليه من لقب ونحوه، كما كتب أبو المطرف بن عميرة لبعض الرؤساء: الجناب الرياسي أدام الله اعتلاءه وحرس مجده وسناءه. صدرت هذه الخدمة إليه من فلانة، ولا مزيد على ما يجب لجلاله من التعظيم، ولفضله من التقديم، ولآلائه من الشكر العميم، وإن الأمر كذا وكذا. وكما كتب أبو بكر بن عيسى شافعاً في أنصاري: السيد العماد، والماجد الجواد، والملجأ المنيع المريع لمن يرتاع أو يرتاد، أدام الله علاءه، وضاعف عنده آلاءه، بدر الجملة الشريفة، وفرع الدوحة المنيفة، من آل قيس الجود، وقيل بني قيلة الباذلين الموجود، أولئك الذين عز المهاجرون بإخائهم وسخائهم، فلا غرو أن الألسنة بمدحه، وتمد الأيدي إلى منحه، ويصدر باسمه تاريخ الأجداد فهو أحق مفتتحه، والأمر كذا وكذا. وكما كتب أبو المطرف بن عميرة، عن الأمير أبي جميل زيان، إلى الأمير أبي زكريا بن إسحاق: الأمير الأجل الهمام الأعلى حرس الله مقامه، وأسعد أيامه، وظاهر بالنصرة مضاءه واعتزامه، راسخ شرف النجار، ثابت أصل الفخار، مستهل آلاء السحب الغزار، والعيون إليه سأمية، والهمم إلى ما لديه مترأمية، والصدور بالأمل فيه تشرح، والنفوس الحرة استرقاقه تطمح، ولا غور والكرم من بعض شيمه، والغنى من فضل ديمه، أن يسير إليه في البر والبحر كل ذي رغبة، وتترامى نحوه ركائب الرجاء من كل تربة، ومخاطبتنا هذه إلى مجلسه أيده الله عما نعلمه من كبير قدره، ونوجبه لعالي أمره، ونبيح من طيب خبره، وجميل ذكره، والأمر كذا وكذا. وكما كتب أبو الحسن بن شلبون: العماد المذخر، والملاذ الذي بولائه أفخر، جعل الله قدره عالياً، ودهره بمحاسنه حالياً، ولا زال للنعم قابلاً وللأسواء قالياً، كتبت من مكان كذا، والود حلية يتألق رونقها، وشجرة لا يسقط ورقها، وإنها مغروسة، لا تقبل بذر العوادي، ومحروسة، لا يقع عليها من يقع في شجر الوادي، والأمر كذا وكذا. وكما كتب أبو المطرف بن عميرة إلى بعض الفقهاء شافعاً موصياً: المحل الأعلى ضاعف الله أنوار هدايته، وأبقى على الجميع آثار عنايته، مستودع الكمال، ومشرع الآمال، ومعقد أرباب السؤال، ومصعد الصالح من الأعمال، وإن فلاناً من أمره كذا وكذا. وكما كتب ابن أبي الخصال: السيخ الأجل أدام الله عزه ونعماه، ووصل رفعته وأعلاه بتقواه، مجل قدركم، وملتزم بركم وشكركم، العارف بحقكم، فلان، فكتب يعظمكم كتب الله لكم خيراً مستمراً، ورضاً على ما ترضونه، ثابتاً مستقراً، من مكان كذا، على الرسم الملتزم من توفير علائك، والشكر لآلائك، والرب تعالى ينهض بحقكم اللازم الألزم، ويصل حراسة مجدكم الأتلد الأقدام، بمنه وفضله، وإن الأمر كذا وكذا. واعلم أنه ربما أتي بعد ذكر النعوت بالسلام، ثم بحمد الله تعالى والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى آله، ثم الرضا عن الخلفاء الماضين والخليفة القائم. وعلى ذلك كانت طريقة كتاب دولة الموحدين أتباع المهدي بن تومرت كما كتب أبو محمد بن عبد البر. الشيخ الأجل، أدام الله عزته، ووصل كرامته ورفعته، مجل قدره، وملتزم بره وشكره، المسرور بما يجزيه إحسانه من طيب ذكره. سلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد حمد الله العظيم، والصلاة على سيدنا محمد رسوله الكريم، وعلى آله والرضا عن الإمام المعصوم مهديه، وعن خلفائه الأئمة الراشدين، والدعاء لسيدنا الخليفة الإمام أمير المؤمنين، ابن الأئمة الخلفاء أمراء المؤمنين، بالنصر الأعز، والفتح الأتم الأوفى، فكتب كتب الله لكم مجداً لا يهي شرفه، وسعداً لا يني طرفه، من فلانة حرسها الله ولا ناشيء عن الله تعالى وعميم لطفه إلا الخير الأكمل، والصنع الأجمل، والحمد لله رب العالمين كثيراً وإن الأمر كذا وكذا. قلت: وعلى هذه الطريقة كانت كتابة أبي عبد الله بن الخطيب، كاتب ابن الأحمر بالأندلس على القرب من زماننا. ومنها: أن تفتتح المكاتبة بالخطاب، إما مع حذف ياء النسب أو مع إثباتها، أما مع حذفها، فكما كتب أبو المطرف بن المثنى: سيدي ومفخري، وعصمتي ووزري، وركني وعمادي، وذخيرتي وعتادي، أبقاك الله ناهجاً سبل المكارم والمعالي، موقى حوادث الأيام والليالي، كتبي أعزك الله عن عهد حسن لك قد أحكمت معاقده، وود محض فيك قد صفت موارده، ونفس ترتاح لذكراك، ولسان لاه بين محاسنك وعلاك، قد انفسح في نشر فضائلك ميدانها، وفاق في وصف فواضلك بينها، فهي تنظم عقود مجدك، على أجياد شكرك، وتحوك من برود تقريظك وثنائك، خلعاً لمجدك وسنائك، وشيها الذكر الخطير، وطرازها الترفيع والتوقير، تكسير عصب عدن، وتعفي على وشي اليمن، وتطلع من رياض أخلاقك، في منابت أعراقك، ما يزري بنسيم المسك تضوع عرفه وانتشاره، ويربي على حسن النجوم طوالع أزهاره وأنواره، وأخلق بمن جمع الله العالم فيه، وحرس معاهد البر بكريم مساعيه، أن لا تعزى خلة نبيلة إلا إليه، ولا تقصر منقبة جليلة إلا عليه، ولا تؤثر مأثرة نفيسة إلا عنه، ولا تقتبس سيرة جميلة إلا منه، والله تقدس اسمه يحمي هذه الأوصاف البديعة، والخلال الرفيعة، من طوارق الدهر ونوازل الغير، ويجعل عليها يده، ويصرف عنها معرة كل خطب وشدة، بحوله وطوله، ويكون الأمر كذا وكذا. وأما مع إثبات يا النسب، فكما كتب أبو المطرف بن الدباغ إلى بعض الأدباء عند وروده إلى بلاده: يا مولاي وسيدي، العظيم شأنه وامره، العالي صيته وذكره، من أبقاه الله في عز لا تنفصم عراه، وحرز لا يستباح حماه، لم أزل أبقى الله سيدي ومولاي تسمو بي إلى الكتابة همة، وتترامى بي إلى البلاغة عزمة، حتى تذللت لي صعابها فامتطيت، وتسهلت لي حزونها فارتقت، ولما رفعت لي عن غرائبها الأستار، وعلمت عن غوامضها الأسرار، وفزت بالمعلى من سهامها، والموفور من أقسامها، جعلت بأي أئمتها أأتم وأهتدي، وإلى أي رؤسائها أنتسب وأعتزي، ناظراً في ذلك إلى شائع الأخبار، ومتداول الآثار، فوجدت ألسنة إذا تنأولت صفة سواه، تحلت بعض حلاه، أو أرقته إلى رتبة من العلياء، تمثلت به في الرفعة والسناء، ثم تفرده أعزه الله دونها بالفهم المتين، والعلم المشهور، والحلم المتعارف، والفضل المتواصف، والرتبة السامية، والجلالة المتناهية، فكلما رأيت محاسن مجده تجلى، وسور فضله تتلى، هممت أن أطير إلى حضرته بنجاح الارتياح، كما وأركب إلى أفقه نوره الله أعناق الرياح، والأيام تقطعني بمصائبها، وتقيدني بأحداثها وبحوائبها، حتى قضى الله أن يرد هذا الأفق فأفرخ الأمل بغير نصب وأنال البغية بغير طلب [طويل]. ومنها أن تفتتح المكاتبة بالتحية والسلام. كما كتب أبو المطرف بن عميرة: تخص الابن محبة ومقة، والعباد اعتداداً بجانبه وثقة، حفظ الله نجابته، وجعل لداعي السيادة تلبيه وإجابته، تحية الجلال والتكرمة، والمودة الخالصة المتحكمة، ورحمة الله تعالى وبركاته، من مكان كذا، والود كلف، والعهد بالصون من جميع جوانبه مكتنف، وتلكم الذات السنية ذخيرة جليلة، وأمل لا تخطأ منه مخيلة، وهبة يكذب معها أن يقال الأيام بخيلة. وكنا نظن أن بناء الكرم صم صداه، ومربع الفضل عاصب برداه، وغائب عن الرشد أداه. ونقول: ما كل من أقعدته العلية عميلة، ومتى يفطن عمير عمر وبحيله، فكفا بكفاتها، وهل يستوي قيس لرحى العجوز عدمت جداتها، حتى تمثل هذا المجاهد من طرفيه، المستقبل آثار سلفيه، حفظ الله الألفاظ والألسنة، وحملة الأقلام والأسنة. وكما كتب أبو زيد الفازازي: السلام الكريم العميم، على الشيخ الذي أثبت على وده فلا أتحول، أطنب في حمده فلا أستعر ولا أتأول، وأتعلل بذكره عند عدم مرآته ولأمر ما أتعلل، فلان، أدام الله رفعته، وحرس من الأسواء مهجته. كتب أخوكم، البر بكم، الشيق إليكم الشاكر محاسنكم، المسرور بما سمعه من صلاح أحوالكم، فلان، ولا جديد بمن الله تعالى إلا الخير والحمد لله كثيراً، والأمر كذا وكذا. ومنها: أن تفتتح المكاتبة بالكناية عن المكتوب عنه، كما كتب ابن أبي الخصال إلى بعض الكتاب يسأله حاجة: معظم الشيخ الأجل أبي فلان، ومجله المكبر له فلان، أعلى الله قدركم، وأوزع أولياءكم شكركم، أياديكم أدام الله كرامتكم أو كف من الغمام، ونعمكم ألزم للأعناق من أطواق الحمام، وإن وليكم ومعظمكم يحتاج إلى كذا وكذا. ومنها: أن تفتتح المكاتبة بلفظ فلان: كما كتب بعضهم من فلان، إلى الشيخ الحافظ الأكرم أبي فلان، أدام الله كرامته بتقواه، فالكتاب إليكم كتب الله لكم أحوالاً صالحة، وخيرات عليكم غادية رائحة، من موضع كذا، والبركات متوافرة، والخيرات الظاهرة، والحمد لله تعالى، وإن الأمر كذا وكذا. ومنها: أن تفتتح المكاتبة بلفظ فلان، كما كتب بعضهم إلى والده: إلى مولاي المعظم مولاي وأبي، المتكفل بتعليمي وحسن أدبي، أبقاه الله ناظراً إلي بعين رضاه، وأعانني على الجري في بره على حكم الشرع القويم ومقتضاه، من ابنك المعظم لك، بل عبدك المتطلع إلى ما تصل الأنباء الكريمة من عندك، المواصل المسعى في شكرك وحمدك، فلان، بأبي كتبته كتب الله لكم لياناً من العيش وخفضاً، وجمع بعد الافتراق بعضاً مناً وبعضاً، ويسر لي بطوله ومنته أن يصفح عني وأن يرضى، من موضع كذا، ولا جديد إلا نعم من الله عز وجل تراوح وتعادي، وتجري الخواتم منها على حكم المبادي، وشوق إليكم يعمر أحناء ضلوعي وفؤادي، ويحسم عني قطيعي دمعي الهتون وسهادي، والله جل وعز ييسر انقضاب غربة النوى، ويريح النفوس من محرق اللوعة ولاعج الجوى، والأمر كذا وكذا. المهيع الثاني في الأجوبة وهي على ما تقدم في أجوبه المشارقة من أنها على ضربين: الضرب الأول: أن تفتتح المكاتبة بما يفتتح به الابتداء ثم يقع التعرض إلى وصول الكتاب وذكر الجواب منه كما كتب أبو عمرو الباجي: وعدك الكريم- أدام الله عزك- دين، وقضاؤه شرف وزين، ومثلك من تحلى بمحاسن الشيم، وزاحم في السيادة بالمناكب العمم، وحفظ العهد لما أضيغ، واشترى المجد بما بيع، والتزم للوفاء شرطاً لا يفسح، ورآه شرعاً لا ينسخ، ووصل كتابك العزيز في معنى كذا وكذا. الضرب الثاني: أن يفتتح الجواب بورود الكتاب ووصوله ابتداء كما كتب ابن الخصال ورد كتابك في أمر فلان يفرض الحمل عليه في النفوذ لوجهته، والتقدم إلى رتبته، وليس عندي إلا عون وإنجاد، وطاعة وانقياد، غير أن في الأمر كذا وكذا.
|